زياد الرحباني … يمضي بلا ضحيج!

خاص أضواء المدينة
زياد الرحباني… العبقري الذي قال الحقيقة بلغة الموسيقى والمسرح
رحل صباح السبت 26 تموز/يوليو 2025، الفنان الشامل زياد عاصي الرحباني، عن عمر يناهز 69 عامًا، بعد صراع طويل مع المرض. برحيله، طوى لبنان والعالم العربي صفحة من صفحات الإبداع الذي قلّ نظيره، فقد كان زياد فنانًا استثنائيًا، لا يشبه أحدًا، ولا يريد أن يشبهه أحد.
النشأة والبدايات
وُلد زياد الرحباني في 1 كانون الثاني/يناير 1956، وهو الابن البكر للفنانَين الكبيرين فيروز وعاصي الرحباني. نشأ في بيت فني لا يشبه أي بيت، فتنفّس الفن واللحن منذ طفولته. كانت أولى محطاته الإبداعية في عمر مبكر حين لحّن لوالدته أغنية “سألوني الناس”، التي غنّتها عام 1973 أثناء مرض عاصي، وأصبحت لاحقًا من أشهر أغانيها وأكثرها تأثيرًا.
المسرح السياسي الساخر
تميّز زياد الرحباني بمسرح مختلف كليًا عن إرث الأخوَين رحباني. أدخل السياسة اليومية إلى المسرح، مزجها بالفكاهة السوداء، وانتقد السلطة والواقع اللبناني بكل جرأة وسخرية. من أبرز أعماله المسرحية:
• سهرية (1973)
• نزل السرور (1974)
• بالنسبة لبكرا… شو؟ (1978)
• فيلم أميركي طويل (1980)
• شي فاشل (1983)
• بخصوص الكرامة والشعب العنيد (1993)
• لولا فسحة الأمل (1994)
• الفصل الآخر (الجزء الثالث من “بخصوص الكرامة”)
كانت هذه المسرحيات انعكاسًا مباشرًا للواقع اللبناني، وقد تحوّلت شخصياتها وجملها إلى جزء من الذاكرة الشعبية. لم يكن زياد يعرض مسرحًا للتسلية، بل للصدمة والطرح والتمرد.
الموسيقى… جنونه الآخر
زياد الرحباني كان أيضًا ملحنًا وموزّعًا موسيقيًا من طراز رفيع. مزج بين الموسيقى العربية والجاز والفانك والبلوز بطريقة فريدة. لحن لوالدته فيروز عددًا من أغانيها الحديثة التي أصبحت من روائعها، نذكر منها:
أنا عندي حنين، حبيتك تنسيت النوم، البوسطة، عندي ثقة فيك، مش قصة هاي، بعتلك، ضاق خلقي، سلملي عليه، عودك رنان، سألوني الناس، قديش كان فيه ناس، نطرونا، حبو بعضن، دبكة يا جبل الشيخ، بالإضافة إلى مقدمات مسرحيات ميس الريم وبترا.
كما قدّم ألبومات موسيقية شهيرة منها:
• وحدن (1979)
• معرفتي فيك (1987)
• كيفك إنت (1991)
• إلى عاصي (1995)
• مش كاين هيك تكون (1999)
• ولا كيف (2001)
• إيه في أمل (2010)
إلى جانب أعماله مع جوزيف صقر، وسامي حواط، ولطيفة، وغيرهم.
من أغانيه الشهيرة بصوته: أنا مش كافر، اسمع يا رضا، أبو علي، هدوء نسبي، بما إنو، مونودوز، بالأفراح، وغيرها.
النشاطات الإذاعية والموسيقية
عمل زياد على برامج إذاعية بُثّت عبر إذاعة صوت الشعب، عبّر فيها عن مواقفه السياسية الصريحة بلهجة ساخرة لا تخلو من الغضب. من أبرز برامجه:
بعدنا طيبين، قول الله (1976)
تابع لشي تابع شي، العقل زينة، نص الألف خمسمية، ياه ما أحلاكم
الإعلان رقم 1 و2 و3 و4 (2006)
ضربت يا معلم (مع إيلي ناكوزي)
كما قدّم حفلات موسيقية مميزة مثل:
بها الشكل (1983)
Da Cappo (أبوظبي 2005)
منيحة (دمشق 2008)
مهرجان القاهرة للجاز (2010)
وكتب موسيقى تصويرية لأفلام مثل:
نهلة، وقائع العام المقبل، بيروت… الفيلم، متحضرات، طيارة من ورق، ظلال الصمت
موقفه السياسي والاجتماعي
كان زياد الرحباني من أكثر الفنانين جرأة في إعلان مواقفه السياسية، خصوصًا انحيازه للفكر اليساري وانتقاد الطبقات السياسية اللبنانية بلا استثناء. لم يهادن، لم يساير، ولم يرضَ أن يكون جزءًا من المشهد الإعلامي المزيّف. انتقد الجميع، حتى جمهوره أحيانًا، حين شعر أنهم خذلوه أو تخلّوا عن قيمهم.
وداع زياد
برحيله في صيف 2025، ودّع لبنان قامة فنية وفكرية قلّ نظيرها. وقد عبّر رئيس الجمهورية اللبنانية جوزاف عون عن ألمه الكبير لفقدانه، قائلاً: “لم يكن مجرد فنان، بل كان حالة فكرية وثقافة متكاملة”.
إرث لا يُمحى
يبقى زياد الرحباني مدرسة قائمة بذاتها. موسيقاه ومسرحه وبرامجه ومواقفه رسمت ملامح جيل لبناني وعربي تائه في زمن الانهيارات. قال ما لم يجرؤ كثيرون على قوله، وعبّر عما لم يستطع كثيرون أن يفهموه. لم يكن يومًا محبوب الجميع، لكنه كان ضميرًا حيًّا، وصوتًا نادرًا لا يُقلّد.
في حضرة الغياب، يزداد الحضور. وزياد، وإن غاب جسده، سيبقى حيًا في أرواحنا… صوتًا، وصورة، وفكرة، ونغمة لا تموت.




تعليق واحد