صحة وجمال

عقول أطفالنا في خطر.. كيف تسرق مقاطع “تيك توك” القصيرة تركيزهم ونومهم؟

تحولت مقاطع الفيديو القصيرة من مجرد تسلية إلى جزء رئيسي من حياة الأطفال والمراهقين، فما تأثيرها الحقيقي على نموهم العقلي والعاطفي؟ خبراء يحذرون.

أصبحت منصات مثل “تيك توك” و”ريلز” و”يوتيوب شورتس” جزءاً لا يتجزأ من الروتين اليومي لملايين الأطفال والمراهقين حول العالم، حيث تجذبهم بتجربة التصفح السريع والمحتوى المتنوع الذي لا ينتهي. لكن وراء هذه الجاذبية تكمن مخاوف متزايدة بين خبراء الصحة النفسية حول تأثير هذه المنصات على التطور العقلي والاجتماعي للأجيال الصاعدة.

تقول الدكتورة كاثرين إيستون، المحاضرة في علم النفس بجامعة شيفيلد، إن هذه التطبيقات تحولت من أداة لملء أوقات الفراغ إلى وسيلة أساسية للترفيه والتواصل وحتى تكوين الآراء لدى الشباب، على الرغم من أنها لم تُصمم أساساً مع وضع الأطفال في الاعتبار.

تأثير مباشر على النوم والانتباه

يُعد النوم من أبرز المجالات التي تتأثر سلباً بهذه العادة، حيث يعاني الكثير من الأطفال والمراهقين من صعوبة في الخلود إلى النوم بسبب الضوء الأزرق المنبعث من الشاشات، والذي يؤخر إفراز هرمون الميلاتونين المسؤول عن تنظيم دورة النوم. كما أن المحتوى العاطفي السريع والمكثف يصعب على الدماغ عملية الاسترخاء اللازمة للنوم العميق.

أما على صعيد الانتباه، فإن التصميم المذهل لهذه المنصات والذي يواصل تقديم محتوى جديد كل ثوانٍ يؤثر على قدرة الدماغ على التركيز لفترات طويلة. دراسة حديثة شملت حوالي 100 ألف مشارك وجدت ارتباطاً واضحاً بين الاستخدام المفرط لهذه المقاطع وانخفاض القدرة على ضبط النفس وقصر مدى الانتباه.

مخاطر إضافية على الصحة النفسية

بالإضافة إلى التأثير على النوم والانتباه، يحذر الخبراء من تعرض الأطفال لمحتوى غير مناسب لمرحلتهم العمرية، حيث قد تظهر فجأة مقاطع تحتوي على عنف أو تحديات خطيرة أو محتوى جنسي دون أي تحذير مسبق، وهو ما قد يكون صادماً بشكل خاص للأدمغة التي لا تزال في طور النمو.

كما أن المقارنة الاجتماعية المستمرة مع حياة الأقران المثالية المعروضة على هذه المنصات قد تؤدي إلى انخفاض تقدير الذات وزيادة مشاعر القلق والاكتئاب، خاصة بين المراهقين الذين يبنون هويتهم خلال هذه المرحلة الحساسة.

الأطفال الأصغر سناً أكثر عرضة

تشير الأبحاث إلى أن الأطفال في سن ما قبل المراهقة أكثر عرضة للتأثير السلبي لهذه المنصات، وذلك بسبب عدم اكتمال نمو مهارات ضبط النفس لديهم وهشاشة تكوين الهوية في هذه المرحلة. كما أن الأطفال الذين يعانون أصلاً من مشاكل مثل القلق أو صعوبات التركيز يكونون أكثر عرضة للإدمان على التصفح القهري.

نحو حلول عملية

في مواجهة هذه التحديات، بدأت بعض الحكومات والمؤسسات التعليمية في اتخاذ إجراءات عملية. في إنجلترا مثلاً، تدفع إرشادات جديدة المدارس إلى دمج التوعية بالاستخدام الآمن للإنترنت ضمن المناهج الدراسية، كما تفرض بعض المدارس قيوداً على استخدام الهواتف خلال اليوم الدراسي.

على الصعيد الأسري، ينصح الخبراء بفتح حوار مستمر مع الأطفال حول عاداتهم الرقمية، ومشاهدة المحتوى معهم أحياناً، ووضع حدود زمنية لاستخدام الشاشات، خاصة قبل النوم. كما أن تشجيع الأنشطة غير الرقمية مثل الرياضة والقراءة واللعب التقليدي يساعد في تحقيق التوازن الضروري.

الخبراء يؤكدون أنه رغم هذه التحديات، يمكن أن تظل مقاطع الفيديو القصيرة مصدراً للإبداع والترفيه إذا ما تم استخدامها باعتدال، وبوجود توعية كافية ودعم من الأسرة والمدرسة، مما يسمح للأطفال بالاستفادة من التكنولوجيا دون المساس بصحتهم النفسية والعقلية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى