إلحق يا رياض…

كتب جمال فياض
هذه الرسالة موجّهة إلى الصديق العزيز رياض قصري، ابن الفنانة الراحلة وردة الجزائرية، وأرجو أن يقرأها بجدّية وانتباه وعناية فائقة.
سبق أن دار بيني وبين الصديق العزيز، رجل الأعمال الجزائري رياض قصري، ابن الفنانة الكبيرة الراحلة وردة الجزائرية، حوارٌ بل نقاشٌ طويل حول رفضه تصوير مسلسل تلفزيوني يروي سيرة والدته الفنانة الكبيرة، التي تركت بصمة غير عادية في الأغنية المصرية خصوصاً والعربية عموماً. وكان ذلك بحضور المنتج الكبير محسن جابر، صاحب شركة «عالم الفن» ومالك أرشيف الغناء المصري الذهبي، والمحافظ عليه كما الابن والعين والروح.
قلت لرياض إن إصرارك على رفض تصوير مسلسل عن السيرة الذاتية لوالدتك هو خطأ ستعرف لاحقاً تبعاته، وستندم عندما لا ينفع الندم. وإن لم تشهد بعينك هذه اللحظة بعد عمر طويل، فسيشهدها الأبناء والأحفاد، وربما الأجيال التي ستتداول حب الوردة الرائعة وأغانيها وأعمالها الفنية. قال: كيف؟ ولماذا؟
قلت: بكل بساطة، المفارقة أسهل من السهولة. أن تنتج شركة ما عملاً درامياً أو فيلماً سينمائياً عن سيرة وردة الذاتية ومشوارها مع الحياة والفن، بإشرافك ورعايتك وتوجيهاتك، سيكون أفضل مليون مرة من أن يأتي منتج بعد عقد أو عقدين أو في زمن آخر، لينتج هذه السيرة كما يريدها وكما يراها، وهو الذي لم يعرف الحقيقة من الإشاعات في تفاصيل حياة الفنانة الكبيرة.
سيرة وردة أمانة في رقبتك، فإن تركتها لغيرك فلا تلومنّ إلا نفسك. سيأتيك كاتب نصف جاهل ونصف شرير، يسعى إلى الإثارة أكثر مما يسعى إلى الحقيقة، فيكبّر الأخطاء ويتجاهل الحسنات، ويضيء على ما لا تريد الإضاءة عليه، ويعتّم على ما تريد إظهاره، وإن كان بسيطاً من ناحية التشويق الإعلامي. سيمعنون في تشويه وتعديل سيرة وردة، وسيعتمدون على ما نشرته الصحافة في حينه، وما لم يكن إلا شبه حقيقة.
عندها ماذا ستفعل؟ كيف ستمنع؟ ماذا لو جاء أحدهم وقال إنها سيرة من وحي الخيال لفنانة اسمها «زهرة»، ثم أكمل العبارة الشهيرة: «إن تطابق أحداث هذا المسلسل مع سيرة أي فنانة حقيقية ما هو إلا صدفة غير مقصودة»، وأوحى للناس في السرّ أنها سيرة وردة الجزائرية؟ كيف ستطاله؟ كيف ستمنعه؟ وإلى حين منعه، يكون العمل قد أُنجز وصار واقعاً، ولن تمنعه إلى الأبد. هذا إذا لم يتم تسريبه بعد شهور أو سنوات ليصبح متداولاً ومحفوظاً في الأرشيف، بأخطائه وسلبياته وأكاذيبه وادعاءاته.
وافقني المنتج محسن جابر على هذا الكلام واقتنع، فصمت رياض قليلاً ثم قال: «والله أظن أنك على حق… أقنعتني… ويبدو أنه يجب أن نفكّر بالأمر».
مرّت الأيام ولم يفعل رياض شيئاً، وهو المشغول بأعماله وحياته العائلية. ورغم حرصه ومتابعته لسيرة والدته وإحياء ذكراها باستمرار، إلا أنه لم يفعل شيئاً لتصوير أي عمل درامي أو سينمائي عن سيرتها الذاتية.
أما مناسبة هذا الكلام الآن، فأعتقد أن القارئ اللمّاح فهم وانتبه أنني أتذكّر كل هذا بعد إنجاز فيلم «الست» الذي يروي سيرة الراحلة الكبيرة السيدة أم كلثوم. فبعد مسلسل طويل أخرجته للتلفزيون المخرجة إنعام محمد علي، من بطولة الفنانة صابرين، وبعد فيلم سينمائي أخرجه محمد فاضل من بطولة فردوس عبد الحميد، وكلاهما كانا بإشراف وموافقة أقارب السيدة الكبيرة، جاء المخرج مروان حامد ليطلق فيلم «الست» في الصالات.
نال الفيلم الكثير من النقد السلبي، وإذا كنا لم نشاهد الفيلم بعد لكي نحكم، فالواضح أن الفيلم لا يحظى بموافقة جمهورها المصري، ويبدو أن التهمة الأساسية هي تشويه صورة «كوكب الشرق» واتهامها في سلوكها الشخصي بأمور كلها سلبيات، وكأن العنوان صار: ما لم نعرفه عن أم كلثوم… إليكم فضائح وأسرار السيدة كما لم تروها من قبل. وإذا كان المسلسل الذي حقق نجاحاً كبيراً حين عرضه قد صار مرجعاً، فالفيلم الجديد لن يكون مرجعاً. ولو كان هناك من يحمي «الست» وسيرتها كما يجب، لما كان مثل هذا الفيلم ليظهر أصلاً.
بعد كل هذا، لا يسعني سوى أن أقول لصديقي العزيز رياض قصري: إلحق يا رياض… إنهم يحطّمون الكبار، فلا تتركهم يحطّموا وردتنا الجميلة بعد رحيلها. وأنت لبيب تفهم من الإشارة…



