أمال ماهر … الملكه، مش وصيفه !!
قراءة بالتفاصيل لحفل الفنانة أمال ماهر الكبير في مدينة جدّة ...
كتب جمال فياض
بشغف وشوق إنتظرت كما أغلب الجمهور عودة أمال ماهر بعد غيبة، لتطلّ في حفل كبير، تستحق أن تكون فيه من زمان… في جدة، عروس البحر الأحمر، وأجمل مدن المملكة العربية السعودية البحرية، حضر جمهور كبير، وفي القلوب لهفة لسماع الصوت الذي دخل القلوب العربية من زمان، وما زال مكانه محجوزاً، لا يملأه أحد سواها. في مكان فسيح وكبير، وأمام جمهور كبير ، أطلّ المذيع سامي جميل ليقدم الحفل ونجمة الحفل ومايسترو الحفل. والبداية لم تكن كما يجب، فدخول المايسترو الجميل وليد فايد ومعه أمال ماهر، كان عادياً وبسيطاً، ونحن أنتظرنا إطلالة مبرمجة بشكل أفضل وأكثر فخامة. فالأصول تقتضي أن يدخل المايسترو، فيقدم التحية للجمهور، ويعزف معزوفة أو موسيقى ، تليها وقفة لتدخل المطربة نجمة الحفل، على موسيقى ترحيبية (بدل ال دي جي والموسيقى المسجّلة)، ومع تصفيق الجمهور تحيي الحاضرين، والفرقة الموسيقية، وتبدأ بالغناء…
لا بأس، سنمرّرها، لكن لا يجوز أن تمرّ مسألة الهندسة الصوتية الرديئة التي سمعناها على الهواء. وقد بان بوضوح أن أمال ماهر تتمتّع بصوت قوي وجميل ودقة في الأداء، تغلّب على سوء الهندسة في الصوت، وأوصلت إلينا الإحساس والجمال كله. واضحة كانت رداءة الصوت، وخصوصاً سوء توزيع المايكروفونات، وصوت الكورال لم يكن لوجوده أثر. وكنا نسمع صوت مغنية واحدة فقط من بين المجموعة، وكنا نلاحظ تحريك الشفاه، دون أن نسمع ماذا يقول هؤلاء الفنانين من الشباب والصبايا. وللتأكّد يمكن العودة للحفل المسجّل على “شاهد”.
أمال ماهر، إختارت الإفتتاح بأغنية جميلة، “قالوا بالكتير كام يوم” من كلمات نادر عبدالله وألحان تامر عاشور. وغنّت بكل جوارحها، ومن المؤكّد سمع الموجودون في الحفل أجمل الغناء، الذي وصلنا منه القليل من الجودة.
إستغربت الإنتقال المباشر الى مقطع من أغنية “حاول تفتكرني” ( حبيبي والله لسه حبيبي والله، مهما تقسى حبيبي .. أبقى إفتكرني حاول حاول) …. الإنتقال بعد الأغنية الأولى الى جزء مستقطع من أغنية لعبد الحليم حافظ، لم يكن طبيعياً ولا منطقياً …
بكل حال، عدنا لنستمتع بالغناء، والموسيقى والعزف الجميل، والأستذة التي تظهر في كل حفل يكون فيه المايسترو وليد فايد . وتابعت أمال بأغنية فيها الكثير من التوصيف والإسقاط، في أغنية “اللي قادرة ع التحدّي والمواجهة” من كلمات نادر عبدالله وألحان خالد عزّ، والتي تقول فيها ” اللي عاشت ملكة مش هتعيش وصيفة..”.
ثم أنتقلت أمال ماهر، لأغنية الراحلة وردة “العيون السود” ومن بليغ حمدي أيضاً، وكأني بها بين كل أغنية من أغانيها وأخرى، تريد أن توجّه تحية لبليغ حمدي … وقد أبدعت الفرقة الموسيقية بالدخول، والإيقاعات المختلفة التي استخدمها وليد فايد لتوزيع اللحن بالشكل الجميل الذي سمعناه، وخصوصاً الوتريات الناعمة بل الساحرة. ولو كان بليغ حمدي حيّاً لقبّله على جبينه، وهو الذي كان رحمه الله يحب الإيقاعات كثيراً (تحية للفنان سعيد الأرتيست)…. دخول أمال ماهر في “وعملت إيه فينا السنين..” كان جميلاً جداً، ورغم تفنّنها في الأداء، لكنها لم تخرج من روح الأصل. وهنا يكمن الإبداع والحرفية، أن تتصرّف بالحدود الدنياً فلا تغيّر لكن تبدع. هنا نلاحظ أن تحسّناً ما حصل في الهندسة الصوتية.
ولست بحاجة لأشرح أو أصف روعة اللحن البليغي، وكيف كان تجاوب الجمهور الهائل مع الموسيقى… من حضر أو شاهد سيعرف جيداً، ما عنيته.
تنتقل أمال ماهر، بخفة دم ولطف لأغنية “إتّقي ربنا فيّا” وتطلب من الجمهور ليغنّيها معها، وهنا تنتفض الحاضرات فتنطلق الحناجر بصوت واحد، أجمل من مئة صوت كورال لتغني معها أغنيتها الشهيرة. وكأن الحاضرات أردن توجيه رسالتهن مع أمال ماهر. أغنية جمال الخولي ومحمد يحي، تعتبر من أجمل أغاني أمال ماهر.
في أغنية بداية بدايتك (كلمات نادر عبدالله وألحان ياسر ماجد) تفرفح أمال ماهر الجو … وتبعث برسالتها العاطفية الجميلة، وتؤكّد أن مافيش مين ياخد مكاني، وأنها حب سنين كتيره، وأنها الأولى والأخيره، ولن يأخذ مكانها أحد… وكل الذي أحبّوا ويحبوا، غنّوا معها هذه الأغنية السعيدة، والمثيرة للفرح… والملفت أنها غنتها بكثير من السعادة، وبدا عليها سعادة لا مثيل لها… لا تستطيع أمال ماهر، أن تخفي فرحتها عندما تغني بتفاؤل جميل، ولا تعطي في هذه الأغنية فرحتها لأحد. هنا نستمتع بالغناء، وبصوت واضح ونقي ويملأ السمع تماماً.
في أغنية “رايح بيا فين” (كلمات نادر عبدالله وألحان وليد سعد) لحن جميل جداً، من الأستاذ وليد سعد، الذي لا يمكن أن يمرّ لحنه عابراً … وليد سعد، موسيقار الشباب الجميل، يفسح المجال للموسيقى أن تأخذ مكانها في أغانيه، (لم يفسد علينا السمع سوى الكورال السيء، ربما بسبب الهندسة الصوتية) الذي حاولت أمال بقدر المستطاع أن تساعد وتغطي عليه سوء الأداء.
وتعود آمال وتحطّ الرحال في “الأيكة” الكلثومية، وتغني بجمال وروعة أغنية “ألف ليلة وليلة” (من بليغ حمدي أيضاً ومرسي جميل عزيز) وهنا بالغت قليلاً باستعراض صوتها، بتطويل الدخول ” يااا حبيبي” … أم كلثوم أعطت المساحة المطلوبة للمدّة، فلماذا نتشاطر على قالته الستّ؟ عموماً، هي مسألة أذواق، ولست من أصحاب الذوق الذي يرضى بأي تعديل على الأصل. وإن كنت لا أنكر على المطربة الجميلة، الأداء الصعب والذي كالعادة كانت فيه أكثر من رائعة، وهي أستاذة لا تنافسها فيه مطربة من مطربات جيلها …
بين أغنية وأخرى، وفي الوقفات القصيرة، “يدحش” لنا مهندس الصوت موسيقى لا علاقة لها بالموضوع، ليملأ الفراغ، وهو أسوأ ما يمارسه علينا المهندس “الشاطر”. حيث يضيّع على الأذن السلطنة … واضح أن مهندس الصوت لا يستمتع بالغناء الذي يسمعه، ولا يعرف قيمة أن الصمت بين الفواصل مطلوب وضروري كي لا يضيع المزاج…
تقاطعه أمال ماهر، بالغناء من حيث لا ينتظر، ثم تنطلق بالأغنية البديعة “ما علينا يا حبيبي من كلام الناس”… التي كتبها ولحنها وغنّاها الرائع الراحل أبو بكر سالم بلفقيه. ومن الضروري التنويه بالصولو الجميل جداً على الساكسوفون للفنان الجميل والقدير محمد عبد السلام، وفي مكان آخر صولو الناي الجميل للفنان الجميل والقدير رضا بدير، وهو من الإضافات الجميلة التي أدخلها المايسترو وليد فايد على توزيع الأغنية الجميلة، بل الساحرة، والصعبة الأداء… حتى أمال ماهر هنا، بدت مختلفة صوتاً وأداءً وحضوراً، وابتسامة …. وأظن أن أبو بكر الرائع (رحمه الله)، كان سعيداً جداً، بهذه التحية المميزة لروحه الفنية…
في هذه الأغنية ضبط الكورال وضعه جيداً جداً … وأخيراً!!
قبل الذهاب الى الإستراحة، تنهي أمال ماهر الفصل الأول من الحفل بأغنية أشبه ما تكون بسيمفونية صغيرة، من ألحان ياسر عبد الرحمن، الذي في أغلب ألحانه يفسح المجال للوتريات أن تستبيح المشاعر والأسماع، فيطرب السامع بموسيقى رائعة جداً … وتغني أمال أغنية “يا عيني عليكِ يا طيبة” بإحساس وجمال في الأداء، وكأنها تأهّبت بكل جوارحها للحن صعب ومتين، ويتخلل الأغنية صولو على الكمان، يؤديه فنان جميل جداً، وأستاذ قدير هو محمد عاطف إمام (للأسف لم يذكروا إسمه ولا أسماء الأساتذة أصحاب الصولوهات على الشاشة، كما مع جميع العازفين المميزين)..
بعد إستراحة، تعود بأغنية “سكّة السلامة”، التي تفرفح الأجواء قليلاً، وقد بدا أنها منزعجة من الشال المطرّز الذي لفّ عنقها، في الفستان الثاني الذي ارتدته في الوصلة الثانية، والذي صممه لها أيضاً زهير مراد. تمرّ الأغنية عابرة،وكأنها مجرّد فاصل ونواصل لنصل الى أغنية ” إنت وحدك ” من كلمات تركي آل الشيخ وألحان رابح صقر. ويبدو من الدخول في اللحن، أن رابح صقر موسيقار متأثر بوضوح بالموسيقار محمد الموجي والموسيقار محمد سلطان. لحن طربي بامتياز، يعطي لصوت أمال ماهر، الفرصة لتكون في أغنية من زمن الطرب والزمن الجميل، وكأن رابح صقر، أخذ دوره ليملأ مساحة في صوت ومشوار أمال ماهر، أغنية تأتي في مكانها المناسب، وتعيد للأغنية الطربية مكانها الضروري. بصراحة، هي مفاجأة أن يكون مثل هذا اللحن من رابح صقر، الذي يظهر موهبته الموسيقية بكل وضوح وكفاءة. (لست أدري لماذا أحسست أن الأغنية كانت تسجيل “بلاي باك” ولم تكن مباشرة) !!
بعدها، ننتقل الى أغنية “لو كان بخاطري” من كلمات واحد، وألحان عمرو مصطفى، رغم أن اللحن فيه شخصية عمرو مصطفى، لكنه ليس أجمل ما كان يمكن أن يقدمه لصوت مثل صوت أمال ماهر. تمرّ الأغنية العالية الطبقات والصعبة في مكان ما، وتفوز أمال بالأداء رغم الصعوبة، الأغنية بأيقاعاتها الحيوية جداً.. وصولو البنغز الجميل، يثير الإعجاب … هي شخصية عمرو مصطفى التي تتميّز دائماً في مكان ما.
بين كل أغنية وأخرى، يصرّ مهندس الصوت على إزعاجنا بموسيقاه التي لا علاقة لها بالجو العام للحفل، ليملأ الفراغ… لست أدري من نصحه أو طلب منه مثل هذا الطلب …
وعودة الى الكلثوميات، وأغنية “إنت عمري” التي كتبها أحمد شفيق كامل ولحنها موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وهنا تدخل أمال ماهر من عند “يا أغلى من أيامي … يا أحلى من أحلامي” … وتقع المطربة الشابة بفخّ المقارنة، فاللحن التاريخي بالطبع سيحظى بالتفاعل الجماهيري المضاعف… وما همّ؟ فنحن نستمتع بالغناء واللحن والكلام، ونسلطن بهذا الصوت وهذا الأداء الجميل. … هل أعلّق على هذا الغناء وهذه الأغنية؟ لا أظنها محتاجة تعليق!
في “عيون القلب”، أغنية الكبيرة نجاة الصغيرة (كلمات الأبنودي وألحان محمد الموجي) تسلطن أمال ماهر آخر سلطنة، فتفوز بالقلوب والمشاعر، وتُدخل البهجة الى الجمهور … واشتعل الجو، وطارت السلطنة ومعها الفرقة الموسيقية الرهيبة بقيادة موسيقار محترف جداً، هو وليد فايد … وهنا أجمل اللحظات ، بل قل هي “الماستر سين” في هذه السهرة. ويبدو أن أمال ماهر، هنا وصلت الى لحظة القمّة في الأداء والسلطنة. وأجمل ما في هذا الغناء، أن أمال تعبّر بإشارات من يديها وعينيها توحي بمعاني كل كلمات الأغنية … هي تقول “ورحت معاه..” وتقولها ضاحكة، ونحن نروح معاها… فاهمين وعارفين !!
تنتهي الأغنية، ويعود مهندس الصوت ليزعجنا بموسيقاه التي لا محلّ لها في الإعراب بين الأغاني هذا المساء.
وتعود السهرة مع ” ضاع من عينه الحنان، اللي عشناه من زمان ..”.. فترتجل الغناء بدون الفرقة، فتسلطننا مع “لا تبيّنلو خضوعي”… (أغنية محمد عبده “شفت خلّي بعد غيبه” ، التي لحنها لنفسه من كلمات الغريب).
تقترح أمال ماهر على الجمهور أن تغني لهم “م السنه للسنه” (كلمات نادر عبدالله، وألحان تامر عاشور) فيهلل الجميع بحماس، فتشترط أن يقولوا معاها، وهكذا كان، فغنّت اللحن القريب جداً من أجواء ألحان بلال زين لفضل شاكر، وشارك الجمهور بالغناء رغم صعوبة النغمة على الغناء، فقد كانت الأغنية كما يبدو سهلة وممكنة على الجمهور …
لكن حماس الجمهور ومشاركته إمتدت للأغنية التالية، وتابعت أمال التناغم مع جمهورها بحب كبير، وانتقلت الى “في إيه بينك وبينها” …. ولم تكمل، بل تابعت لتسلطننا من جديد مع أغنية “للصبر حدود” أغنية أم كلثوم التي كتبها عبد الوهاب محمد ولحنها محمد الموجي، وهنا وصلنا الى قمة المتعة .. وللكلثوميات خصوصيتها بصوت أمال ماهر … وتبعتها “أمل حياتي” من أحمد شفيق كامل وألحان محمد عبد الوهاب … وتستمر السهرة، لتتخطى الساعة الثالثة من الغناء … لا أمال تعبت، ولا الجمهور تعب ، وظلّت الكاميرات تشهد على الحضور الذي لم ينقص واحداً طيلة هذا الحفل الكبير…
ثم تتابع في “ياما عزّ عليّا بعادك” من كلمات خالد تاج الدين وألحان خالد عزّ، وتستمر السهرة مع الغناء الجميل، ويبدو أن الصوت كل ما تقدم الوقت، جوهر وأجاد …
وتُسمع هتافات من الجمهور تطالب بأغاني محددة، فإذا أغنية “موعود” تطلّ لتعيد الحيوية ، هكذا هي ألحان بليغ حمدي، مصنع البهجة والحيوية… وتغنيها أمال ماهر بكل حب وجمال … فتختتم سهرتها قائلة” وابتدا المشوار، وآه يا خوفي من آخر المشوار ..”. وينتهي مشوار السهرة الجميلة والغناء، مع شكر لشركة “بانشمارك” المنظمة للحفل، والمايسترو وليد فايد وفرقته الرائعة… ولا بد من التنويه بلمسات الإخراج الجميلة والمميزة لكميل طانيوس …