على هامش “الجونه السينمائي” دردشة مع نجيب ساويرس … عن لبنان والسياسيين والوطن والضمير!
كتب جمال فيّاض – الجونه
المهندس نجيب ساويرس شخصية مصرية شهيرة، ليس فقط لكونه أحد أنجح رجال الأعمال المصريين والعرب، ولكن لأنه حاضر دائماً في مجالات مختلفة، تبدأ من “البزنس” الى النشاطات الإنسانية، ولا تنتهي عند نشاطه المستمر على مواقع التواصل الإجتماعي، وخصوصاً موقعه على “تويتر”. فالرجل متحدّث لبق، يجيد فن الحوار والتواصل في حياته العملية، متمكّن من لغته الحوارية، عنده فلسفة في الحياة، وله مباديء لا يحيد عنها. وسطي في كل شيء، “فنّان” في جذب الأذن االمستمعة إليه. وإذا لم يتحدّث بنفسه عن نفسه، ستجد مئة شخص يتحدثون عنه.
على هامش حفل إفتتاح مهرجان “الجونه السينمائي” في دورته الثالثة. وهو المهرجان الذي أطلقه وشقيقه رجل الأعمال سميح ساويرس، ليشكّل إنتفاضة سياحية لمدينة “الجونة” القريبة من الغردقة. وجذب في دورتين سابقتين ، وفي الدورة الحالية الأنظار الى مكان لم يكن بحسبان الكثير من هواة السياحة على شواطيء البحر الأحمر. بين نجيب وسميح ساويرس، حكاية نجاح مشترك، وتفوّق دائم، والأهم حسب قول نجيب “مصر أولاً … ثم تأتي عندي باقي الأشياء “.
إقتربت من الرجل الذي يشغل “تويتر” كلّما غرّد بسطرين. وتنهال عليه الردود بالمئات، من كل الشباب. والأهم، أنه يجيب ويتفاعل. لا يترك نجيب ساويرس لتغريدته أن تظلّ يتيمة بلا حياة ولا نموّ. قلت: أعرفك وأعرف طريقتك بالتفكير، من خلال تغريداتك وردودك. أنت طويل البال على المستفزين، طريف في الردود على الممازحين. شديد على المتطفلين ولكن برصانة ورزانة. ضحك، وقال: كل إنسان يفكر بطريقته، وهنا تستطيع أن تكون موجوداً. ثم تابع، على فكرة أنا جيت امبارح من لبنان ، أنا أعشق هذا البلد. ومعجب به ولا أستطيع ألا أزوره باستمرار. سألته ” وكيف وجدت لبنان؟ أسألك وأنا وصلت من بيروت قبل ساعات، أسألك لأني أعرف أن الزائر يستطيع أن يقيّم المكان بشكل مختلف عن المقيم. قال: لبنان بلد عظيم، جميل جداً وفيه سحر خاص. لكن مشكلته بسياسييه. هم نقلوا خلافاتهم واختلافاتهم فانقسم البلد، ودخل في متاهة صعبة. ثم أردف قائلاً، السياسي في لبنان يضع نفسه أولاً، ثم دينه ثانياً، ثم وطنه في المرتبة الثالثة. وهذا خطأ كبير. أنا أضع مصلحة بلدي أولاً ثم ديني ثم نفسي. هكذا تُبنى الأوطان. لأن البلد هي الأساس، وبدون وطن سليم، لا يستقيم شيء في حياة الشعوب. لقد قتلوا الذين أرادوا بناء لبنان وتصحيح مسيرته، وتركوا للآخرين السلطة. الذين قتلوا بشير الجميّل، لم يريدوا للبنان رجلاً ينوي أن يصحّح ويغيّر ويبنيه من جديد، على أسس الدولة المثالية. وبعد سنوات، جاء رفيق الحريري، ولأنه كان يبني ويريد تصحيح وضع لبنان قتلوه. ممنوع أن يحكم لبنان رجل إصلاح وبناء. بيقتلوه!
سألته، أنت تتحاور مع الناس على تويتر بشكل مباشر وتلقائي، رغم “غلاسة” البعض في الردود على بعض تغريداتك. قال: لا يهم، في كل مجتمع ستلتقي بمختلف الأنواع. أنا شخصياً أحب الناس، وأنا وسطي في حياتي في كل تفاصيل حياتي. أنا لا أحب التطرّف والمتطرّفين. سواء كانوا إسلاميين أو مسيحيين. الوسطية هي التي تصنع الحياة والنجاح. أحب الذي يبني ولا يتعصّب. وأحب الذي يصنع الخير دون أن يلتفت الى أمور أخرى، مثل الدين والجنسية والعرق. أنا التقيت مرة بشخص أعرفه معرفة عادية (وذكر إسمه) وهو من أسرة معروفة. وجدته في حالة يأس شديد، وشبه إنهيار لأنه تعرّض لمواقف حوّلت مسيرة حياته الى أسوأ ما يمكن أن يواجهه إنسان. رفضت أن أراه بالشكل الذي رأيته عليه. مع أني لست مجبراً أن أتدخّل في حياته. وضعت كل إمكانياتي لمساعدته، وأمّنت له عملاً وهو محامٍ ممتاز. وبعد سنوات إلتقيته، فأخبرني بأنه أصبح على أفضل ما يُرام. وأسعدني الأمر، لأني إعتبرت أني غيّرت في حياته شيئاً. الإنسان قبل أي شيء “ضمير”. الإيمان ضمير، وحب الله ضمير. سواء كنت مسلماً أو مسيحياً أو يهودياً، أنت أولاً ضمير. والأديان كلها أرسلها الله لتكون ضمير الناس. فما نفع أن تكون مؤمناً إذا لم يكن في قلبك ضمير. هو الضمير الذي يربطك بالله، ويجعله راضياً عنك. تعاملنا مع بعض، صار بعيداً من الضمير، وهو ما أوصل البشرية الى ما هي عليه اليوم.
هذا الحوار، هو برأيي الجزء الذي يمكن نشره فقط. في حين تحدّثنا عن أمور أكثر عمقاً في السياسة والإعلام وكثير من الأمور. أتركها لنفسي فقط. فالأمانة تقتضي ألا أنشر ما لم يقله لي على أنه للنشر. الرجل صريح وواضح، ولا يخاف من شيء. أما وقد كان الحوار فقط دردشة “صريحة” بعض الشيء. فسأحتفظ به لنفسي. لكن الخلاصة التي أصل إليها، أن النجاحات الكبيرة التي حقّـقها نجيب ساويرس كرجل أعمال، لم تكن فقط نتيجة علمه ودراسته كمهندس في عقله قدرة خارقة على التخطيط. بل لأن في قلبه قدرات هائلة، على الحب والخير، وهو ذاك الثري الذي يتكلّم بالبلدي، ويعيش الحلم العصري. هو حقيقةً هذا الذي وصفه الشاعر جمال بخيت في الأغنية التي لحنها عمر خيرت وغنّتها لطيفة في فيلم يوسف شاهين ” سكوت هنصوّر” … ألم تقل تلك الأغنية ” تعرف تتكلّم بلدي وتشمّ الورد البلدي، وتعيش الحلم العصري يبقى أنت أكيد المصري”. يبقى أنت أكيد نجيب ساويرس!