اخبار الفنكتب جمال فيَاض

آه يا بيروت … كم أتعبنا هذا القدر !!

الماجدة… بتنهيدة أمل، سترجع بيروت إلينا بالسلامة !

كتب جمال فيّاض

قبل عقود طويلة، وموجعة، تنهّد الشاعر الكبير نزار قباني قصيدته الجميلة وأرفقها بصرخة وجع فقال :” آه يا بيروت … كم أتعبنا هذا القدر”. ثم أكمل قصيدته وكتب وقال وقال ، حتى أفرغ كل مواجعه فيها، ثم منحها هدية الى السيدة التي كانت أجمل من ترجم “بيروتياته” في أغنيات وموسيقى … قدّم نزار قبل رحيله، مجموعة من قصائده الى الماجدة، وائتمنها عليها، تاركاً لها حرية اختيار الزمان والألحان لتنشرها وتنثرها برسم القدر … وتشاء القدرة الالهية وقدر الله، أن يحصل ما حصل في بيروت يوم الرابع من شهر آب من عام 2020 ، فتنتفض المشاعر، وتجري المؤتمنة على تلك القصيدة، فتبحث فيها عن كلمات تناسب، لتكتشف أنها هي اليوم في موعدها مع القدر… تأخذ منها ما كتبه نزار لهذا اليوم، وكأنه كان يقرأ المستقبل قبل رحيله، وتبدأ رحلة البحث عن اللحن المناسب، والشكل الذي يليق بإطلاق الأمانة. وبين ملحّن وآخر، تتنقّل الأفكار لتستقر عند ملحن شاب، مليء بالموسيقى والمشاعر والحب والإحساس … نعم، الإحساس ! هذا ما كانت ماجدة الرومي تبحث عنه، تريد الإحساس المطابق لأحاسيس نزار، وإحساس قلبها وصوتها. ويولد اللحن الجميل، بل العبقري، الذي يليق بالكلمات العبقرية. الكلمات التي رأت أن قمحاً سينفجر ذات يوم عند بحر بيروت، في محاولة مستحيلة، لتنبت فيه سنابل أمل وأفق ضوء. وأن من هذا البحر الذي أخذ المظلومين، سيكون الحساب …

وضعت ماجدة هذا اللحن لشهور في أذنيها وقلبها ومشاعرها، وردّدته وعاشته، وتألّمت منه وبه ومعه … حتى جاءت اللحظة، لحظة الدخول الى الستوديو. وبمحاولات صعبة، لم تستطع إنجاز القصيدة، فقد غلبتها الدمعات، ولم تستطع مقاومة الحشرجات، وبعدما كنا في صراع للغناء الأجمل، بالإحساس الأحلى، صرنا في مرحلة مقاومة الدمعات والتنهيدة والألم… عانت كثيراً ماجدة الرومي وبكت طويلاً، وتنهدّت حتى أعماق الوجع، لتتوصّل الى التسجيل النهائي. كيف لا، والألم رفيق العين والروح والصوت والقلب … لم تكن المهمة سهلة، ولا طبيعية، ولا كان ممكناً نقل الوجع دون الإحساس به.

عندما ذهبت لتصوّر الكليب في القاهرة، طلبت أن تقف وقفة صامتة في قاعة اجتماعات جامعة الدول العربية، حيث يقرّر الرؤساء والحكام العرب مصير دولهم ويبحثوا عن رفاهية ونجاح شعوبهم. أرادت أن تقف في هذا المكان لتقول فيه كلمتها، وبالفعل ذهبت ووقفت بين المقاعد، ونظرت الى كل مقعد … وقالت بنظرتها الصامتة كل الكلام، والقت على المكان نظرة العتب واللوم والوجع، ثم خرجت بعدما قالت كل شيء بنظرة … ومَضَت!

ماجدة الرومي، كانت أول من نزلت شارع الدمار بعد الإنفجار، وكانت أول من وجّه صرخة وجعها وأملها من حيث أشلاء جثث الضحايا، ودماء الجرحى وركام البيوت. يومها قالت “جايي قول أن بلد فيه هيك شباب وصبايا حاملين مكانس بإيديهم ونازلين ع الطرقات، هذا بلد ما بيموت”…

واليوم تكمل نداء الأمل، بصوتها الرائع، وإحساسها المبهر، فتردّد أصداء نزار وبلحن يحي الحسن…

-” عِنْدَمَا تَرْجِعُ بَيْرُوتُ إِلَيْنَا بِالسَّلَامَهْ

عِنْدَمَا تَرْجِعُ بَيْرُوتُ الَّتِي نَعْرِفُهَا

مِثْلَمَا تَرْجِعُ لِلدَّارِ الْيَمَامَهْ

سَوْفَ نَرْمِي فِي مِيَاهِ الْبَحْرِ أَوْرَاقَ السَّفَرْ

وَسَنَسْتَأْجِرُ كُرْسِيَّيْنِ فِي بَيْتِ الْقَمَرْ

وَسَنَقْضِي الْوَقْتَ فِي زَرْعِ الْمَوَاوِيلِ…

وَفِي زَرْعِ الشَّجَرْ

آه يا بيروت كم أتعبنا هذا السفر … “.

هذه الآه بالذات، هي بيت القصيد … هي الوجع، هي الصرخة ، هي التنهيدة والدمعة … لعلها تكون آخر التنهيدات، وبداية الأمل … تفاءلوا بصوت ماجدة الرومي ، فهي كانت دائماً وجه السعد على كل من عرفها وسمعها ..

شكراً، ماجدة الرومي، لطوق الأمل الذي وضعتيه على أكتافنا …

ونعدك، ويعدك القدر، سترجع بيروت إلينا بالسلامة، بإذن الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى