اخبار الفنرأي

كاظم الساهر .. مع الحب !

أمل الزيدي ـ خاص أضواء المدينة

يتميز شهر فبراير بيوم مميّز يحتفل فيه عشّاق العالم بعيد الحب عبر تبادل الهدايا والمشاعر، وأتى
لنا العيد هذه السّنة بهديّة فنية طال انتظارها وهي ألبوم جديد لكاظم الساهر. 13 أغنية بالفصحى استأثر القيصر بألحانها في حين تنوع فيها الشعراء على عكس ألبومه السابق “كتاب الحب” الذي كان حصرا من أشعار نزار قباني.

الوفي و “الوفية”

كان كاظم قد صوّر أغنية “يا وفيّة” في صيغة الفيديو كليب وطرحها قبل باقي الألبوم بأسبوعين كدعاية له، وأظن أنه كان خيارا ناجحا جدا. الأغنية متكاملة نصّا ولحنا وتوزيعا. كلماتها بسيطة، ولكنها ذات شجن وعمق كما تعودنا من الشاعر كريم العراقي الذي رحل عنا في الصائفة الفائتة.
وكان القيصر بدوره وفيا لصديقه إذ غنى له في هذا الألبوم 3 أغان وهي” ياوفية” و” لاتظلميه” بالتعاون مع الموزع اللبناني العبقري ميشال فاضل و “الليل” التي وزعها هشام نياز. ويعد هذا الألبوم التجربة الثانية لتعامل كاظم مع ميشال فاضل بعد كتاب الحب أما هشام نياز فقد وزع له من قبل أغنيات في ألبوم “حافية القدمين” مثل “هل عندك شك” و” كل ما تكبر تحلى” وأغنية “فرشت رمل البحر” في ألبوم “إلى تلميذة”.
وإذا اعتبرنا “يا وفية” أغنية عصرية من ناحية الإيقاع والفكرة، بل ثورية حين يقول الشاعر “لا استحي لو بين قدميك ارتميت”، فإن “لا تظلميه” و”الليل” شرقيتان بامتياز: الفواصل الموسيقية فيها تذكرنا بالزمن الجميل، وفيها احتفاء بالربع صوت الذي يميزنا.
لم يبخل كاظم على قصائد صديقه بألحان عتيقة تفوح منها رائحة الماضي، مذكرة الجمهور بأغان ناجحة مثل” لست فاتنتي” و” إلى تلميذة”… مع بعض التجديد كتجربة الأداء الثنائي مع خريجة برنامج the Voice kids “سهيلة بهجت” عبر مقطع حواري تضمنته أغنية “الليل”، ولا أخالني الوحيدة التي تمنت لو كان مقطعها أطول، فصوتها يجمع بين العذوبة والقوة، ولكنني أثمن هذا التعاون الذي يدل على وفاء الفنان بالوعود لتلاميذه في إطار البرنامج الذي كان فيه عضو لجنة تحكيم.
الصديق القديم المتجدد
عندما نذكر الوفاء نتذكر حتما إخلاص القيصر لشعر نزار، فلا يعقل أن يصدر ألبوم دون قصائد شاعر المرأة الذي لم ولن يتكرر. احتوى الألبوم هذه المرة على 3 أغاني فقط للقباني، وهي” بيانو” المقتطفة من قصيدة “عادات”، “معك” من قصيدة أنا رجل وأنت قبيلة من النساء” و” تراني أحبك” من قصيدة “مكابرة”.
وتعتبر الأخيرة المفضلة لدي إيقاعيا وأظن أنها أكثر قصيدة تصلح للغناء من بينها، مقارنة ب “معك” التي أفضلها مكتوبة أو مقروءة بصوت نزار. وأكاد أتخيل معاناة كاظم في ترويض أبياتها لدرجة أن كل جملة أتت بلحن مختلف يصعب حفظه. ولكنني أتفهم إصرار الفنان على تقديمها إذ أنها من أشهر قصائد نزار التي تحتفي بالمرأة.
أما أغنية “بيانو” فيجدر بنا تهنئة هشام نياز الذي أبدع في توزيعها. لوهلة ما أحسست أن اللحن والتأليف الموسيقي تفوقا على كلمات نزار أو ربما أضافا لها رونقا آخر جعل القصيدة أشبه برقصة تانغو، ورغم أن إسم الأغنية بيانو إلا أن الآلة التي توهجت فيها هي الكمنجة والأكورديون المصاحب لكلمات شاعر دمشق مما ذكرني قليلا بأغاني “سلام slam” وجعلني أفكر ماذا لو خاض كاظم تجربة قراءة قصيدة بطريقة حرة مع لحن مصاحب في ألبوماته القادمة؟

كاظم والمرأة

من منا ينكر تأثير القيصر على قلوب النساء، فهو في كل الأغاني يصور لنا حالة العشق والوله والعطاء اللامشروط وذلك عن طريق شعر نزار وكريم العراقي وحتى في الأغاني الشعبية العراقية. ولكن في هذا الألبوم كرّم المرأة بطريقة جديدة إذ أنه غنى من كلمات شاعرتين هما دارين بشير في أغنية “لا تسألي” و “رقصة عمر” وجمانة جمال في أغنية “مررت بصدري”. وكان التكريم أولا بالغناء لهما وهو المتعود على قصص الحب مرويّة على لسان الرجال، وثانيا عبر صياغة ألحان متماسكة نجد فيها انسجاما كبيرا بين النوتة الموسيقية والكلمة والإيقاع حتى كدت أقول أن الأغاني نتاج عمل ثنائي متواز بين الشاعر و الملحن. ويبدو من خلال عدد المشاهدات والتعاليق أن “مررت بصدري” حازت على إعجاب الجماهير، وأرجّح أن ذلك يعود لبساطة اللحن واستعمال كاظم للجواب (الطبقات العالية) في مقطع طويل. وأيضا لمخاطبته كبرياء المرأة عندما يقول لها: يا للغرور الذي في النساء!
ولكنني شخصيا أعجبت أكثر بأعمال دارين، ووجدت أن كاظم اجتهد في تلحينها أكثر من غيرها وكان إيقاعها محبوكا بإحكام. فلا عجب أن تكون “رقصة عمر” هي أغنيتي المفضلة في الألبوم، عشقت تسلسل مقاماتها من فرح العجم إلى حزن الصبا مرورا بشجن الكردي في الفاصل الموسيقي الذي استُعمل
فيه لأول مرة صوت نسائي يردد ترنيمة حلوة. ويمعن كاظم في الشدو في مقام الكردي حين يقول: ماذا فعلت بمشاعري. ويكمل الأغنية بآهات في العجم وإعادة الجملة التي بدأت بها القصيدة كأنه بذلك يغلق الدائرة مثلما يقلب صفحة قصة الحب التي آلمت قلبه. وكم يتأثر الحس الأنثوي لدي بضعف الرجل أمام الحب القاهر، حتى لو ظلمه.

“بين نزار و “تاريخ ميلادي

تعتبر أغنية “تاريخ ميلادي” إصدارا جديدا لنسخة أطلقها كاظم الساهر سنة 2021. وهي من كلمات الشاعر السوداني ياسر البيلي. وفيها إعلان عن حب عميق من الشاعر لمحبوبته، وتوق لأن يكون متبادلا من خلال ترديده “قولي أحبك تنتهي مأساتي” مذكرا جمهور كاظم بأغنية “قولي أحبك كي تزيد وسامتي”، ووجه الشبه يكمن أيضا في جملة “تاريخ ميلادي أنا غيرته وعلى يديك يكون بدء حياتي” في حين أن نزار هدد بتغيير التقويم لو أحبته. فكأننا أمام إعادة صياغة للأغنية
التي صدرت سنة 1999. ولا ضير إن تأثر الشاعر بنزار الذي وضع قواعد الحب ولطالما عشقنا على إيقاع كلماته وأهدينا أحباءنا مقاطع من قصائده من أكثرها طهورية وبراءة إلى أشرسها وأكثرها جرأة.

أسماء جديدة

في هذا الألبوم تعامل القيصر مع أسماء رجالية أخرى مثل خليل عيلبوني في قصيدة “أعود” وداود غنام في “لا ترحلوا”، وإن كانت الأولى ذات نفس صوفي من خلال معجم الصلاة وتكفير عن السيئات كشكل من أشكال طلب الصفح من الحبيبة التي أخطأ في حقها فإن “لا ترحلوا” فيها وصف لمشاعر الفقد، وقال صاحبها إن كاظم قصد تحويلها من “لا ترحلي” إلى “لا ترحلوا” لكونه أثناء تسجيلها يشعر بالاشتياق لأصدقائه الذين رحلوا. وتوّج القيصر القصيدة بلحن حزين ذا شجن خصوصا في المقدمة على أنغام الكلارينت.

كاظم الشاعر

لم تكن أغنية” يا قلب” أولى تجارب كاظم في الكتابة إذ سبق وكتب لا تتنهد، هذا اللون، سلامتك من الآه.. ولكنها تعتبر من التجارب الطريفة إذ أن فيها حوارا بين الفنان وقلبه وقد صرح الساهر أنه استوحاها من قصص المراهقة و الحب السريع. والمميز في الأغنية الكورال الذي يتخذ دور القلب الذي يجيب عن أسئلة الفنان المحيّرة، وأيضا توظيف الآلات الموسيقية في إيقاع راقص شعبي كأن الجماهير صدى لقلب الفنان في قالب أهزوجة جماعية.

أخيرا..

لم يكن من السهل تحليل ألبوم مع الحب وتقييمه، فهو يحتوي على 13 أغنية دسمة لا نستطيع استيعابها من المرة الأولى. كما أن كل أغنية تتطلب التركيز عليها بمعزل عن الأخريات. وقد تعجبك كلها أو بعضها، ولكنك كمستمع لا تستطيع إنكار الجهود المبذولة حفاظا على مستوى أعمال كاظم السابقة، و كأن هذا الألبوم قوس فتح في سنة2024 يعيدنا إلى كلاسيكيات الماضي. دمت مبدعا ودمنا جمهورك الوفي يا ابن العراق الصامد.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى