كتب جمال فيَاض

هكذا كنّا نفكّر … بين جهاد الأطرش وخيانة جمال عبد الناصر !!

كتب جمال فيّاض

في جلسة حضرها عدد من الأصدقاء في بلدة “برجا” اللبنانية، كان الفنان اللبناني جهاد الأطرش (نقيب الفنانين المحترفين الحالي) يتحدّث عن الأوضاع التي وصلنا إليها من التشرذم والتفرّق سواء كلبنانيين، أو كعرب. قال الأطرش، كنت طالباً في الستينات من القرن الماضي. وكان المدّ الناصري العروبي في ذاك الوقت في عزّه. وكنّا متحمّسين للتضامن العربي، ونؤمن بالقومية العربية من المحيط الى الخليج. وكانت هذه المشاعر القومية تأتينا من بلد عربي كبير وعظيم. بلد رئيسه قائد إسمه جمال عبد الناصر. وكان عبد الناصر ملهمنا بالحماس العربي، والسعي للإتحاد في دولة عربية واحدة. دولة يكون اسمها “الجمهورية العربية المتحدة”. دولة عربية عظمى حرّة، غير خاضعة لأي نظام من أنظمة العالم المسيطر في حينه، لا الإتحاد السوفياتي، ولا الولايات المتحدة الأميركية. كنت وبعض زملاء الدراسة، نحضّر أوراقنا للسفر الى القاهرة للتقدّم لإمتحانات “التوجيهية”، وهي الشهادة التي كانت تعادل في حينه “البكالوريا اللبنانية”. وكان أغلب الشباب اللبناني يسعى للحصول على “التوجيهية” المصرية، لأنها أسهل للدراسة، ولأنها تعادل البكالوريا التي كانت تتطلّب تفوّقاً للحصول عليها. إجتمعنا زملاء من مختلف المناطق اللبنانية. وبدأنا نستعد للسفر الى القاهرة للتقدّم للإمتحان النهائي. والطبيعي أننا كنّا نتعاون على تجهيز كل لوازم السفر، من وثائق وأموال نصرفها في هذه الرحلة الدراسية. وقبل السفر، جاء أحد الزملاء يسألنا، من يريد أن يصرّف ما معه من مال وتحويله الى جنيهات مصرية”. سألناه، ولماذا لا نصرفها في القاهرة؟ فقال، هنا سيكون سعرها أفضل، لأن السعر الرسمي للصرف في القاهرة، أقلّ من السعر في بيروت، أي أننا سنحصل على مبلغ أكبر، على اعتبار أن الصرف في السوق السوداء دائماً يكون أعلى من السعر الرسمي. وهنا يقول جهاد الأطرش، صرخت بصديقي متحمّساً؟ ماذا؟ أتريدني أن أخون عبد الناصر؟ أن أصرف الجنيهات بالسوق السوداء؟ … ويضيف الممثل النقيب اللبناني، نظر إليّ الجميع مستهجناً، هل إذا ربحت بعض الجنيهات الإضافية تكون خيانة؟ ويجيب فوراً، طبعاً خيانة. لن أسرق من إقتصاد مصر ومن مصر وجمال عبد الناصر، أي قرش في السوق السوداء. ويضحك الجميع وهو يروي هذه الحكاية، ونحن نرى فيها ضحكة فيها الكثير من الألم. لقد كنّا أوفياء للوطن العربي الكبير. وكنّا نحرص على مصر حرصنا على بيتنا وعلى أهلنا وعلى أموالنا. ونؤمن أن جمال عبد الناصر كان رئيسنا وليس فقط رئيس مصر. وكنا نحمل همّ ازدهار مصر وقوتها ورفعة شأنها حرصنا على لبنان وعلى كل بلد عربي. يومها لم نكن نسأل ما هو دين جمال عبد الناصر، ولا كنا نسأل ما هو مذهبه. كنّا نحب وطننا العربي، من المحيط الى الخليج، دون أن نفكر بالطائفة والمذهب والعرق والمدينة والقرية الذين ننتمي إليهم. كانت تجمعنا أحلام مشتركة. كان وطننا واحداً، لا نحلم سوى بقوته واتحاده وقدراته المشتركة. رفض الشاب المتحمّس إبن جبل لبنان، أن تخسر مصر بضع جنيهات لمصلحته. ولم يقل في لحظتها “هل أنا من سيحمي إقتصاد مصر؟”. لست أدري ماذا حصل بالضبط حتى تحوّلنا الى هذ التقوقع الضيّق في أوطاننا ومدننا وقرانا، بل ضمن العائلة الواحدة. لكني أتذكّر دائماً مذكرات وزير خارجية دولة الإحتلال الإسرائيليةموشي شاريت، التي قال فيها عام 1955، قلت ل”بن غوريون” رئيس الحكومة، إن قوة إسرائيل ليست بقوة جيشها وسلاحها، إن قوة “إسرائيل” واستمرارها تكون بتقسيم الدول المحيطة بها، إلى دويلات تتناحر في ما بينها طائفياً ومذهبياً وعرقياً، وعندها لن نحتاج الى جيش وسلاح.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى